بسم الله الرحمن الرحيم
[frame="1 10"]
وقال صلى الله عليه و سلم: {كُلُ ابنِ آَدَمَ خَطَّاءٌ ، وَخَيْرُ الخَطَّائينَ التَّوابُون}{2}
ويقَسّم ذو النون رضى الله عنه التَّوبة إلى أقسام؛ فيقول: {توبة العوام من الذنوب، وتوبة الخواص من الغفلة، وتوبة خواص الخواص مما سوى الله عز وجل}
وإذا صدقت التَّوبة : فإن هذا الصدق يستتبع أن يستقيم العبد على طريق الله، وذلك لقول الله: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ{54} وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ{55} الزمر
ولقد كان السلف الصالح رضي الله عنهم يبدءون أعمالهم الهامة بالتَّوبة الخالصة النصوح فيبدءون شهر رمضان بالتَّوبة ، ويبدءون الحجَّ بالتَّوبة. والرحلة المباركة {رحلة الإسراء والمعراج} بدأت بشق الصدر: وشق الصدر بالنسبة لنا؛ إنما هو التَّوبة الخالصة النصوح، لأن التَّوبة تَطَهُّرٌ وطُهْر، وإذا تاب الإنسان؛ فإن ذلك يكون بمثابة إتيان ملكين يشقان عن صدر الإنسان، ويغسلانه بالثلج والبرد، أو بماء زمـزم (أي يطهِّرانه)، إن التَّوبة تطهِّر الإنسان من المعصية، إنها تجُبُّ ما قبلها (أي تزيله وتمحوه)
وللتَّوبة شروط : يقول عنها الإمام النووي في كتاب "رياضُ الصَّالحين": {قال العلماء : التَّوبةُ واجبةٌ من كل ذنب. فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى، لا تتعلق بحق آدمـي، فلها ثلاثة شروط : أولهـا: أن يقلع عن المعصية. والثـاني: أن ينـدم على فعـلها. والثـالث: أن يعزم ألا يعود إليها أبدا.
فإن فقد أحد الثلاثة؛ لم تصح توبته. وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي: فشروطها أربعة : هذه الثــلاثة، والرابـع: أن يبرأ من حق صاحبها. فإن كانت مالاً، أو نحـوه: ردّه إليه. وإن كانت حد قذف أو نحوه: مكَّنه منه، أو طلب عفوه. وإن كانت غيبـــة : استحلَّه منها. ويجب أن يتوب من جميع الذنوب، فإن تاب من بعضها؛ صحَّت توبته عند أهل الحق من ذلك الذنب، وبقى عليه الباقي . وقد تظاهرت دلائلُ الكتابِ والسنَّة ، وإجماع الأمَّة على وجُوبِ التَّوبة}
فإذا صحَّت التوبة، وصدق العبد في توبته: وفَّقه الله لسلوك الطريق. وعليه: فيسلك طريق الورع. والورع يقتضي الزهـــد. والزهــد يحقق العبد بالتوكــل. ولا يتأتى ذلك؛ مالم يملأ حب الله ورسوله شغاف القلب. والحب الصــادق يقتضي الرضــا عن الله في كــل حال.
وهكذا يتدرج العبد في المقامات، ويتنقل في الدرجات، حتى يصل إلى أعلى مقامات القرب من رفيع الدرجات عز وجل.
{ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} آل عمران147
{1} رواه مسلم عن أبى ذر رضي الله عنه
{2} مسند أحمد عن قتادة عن أنس رضي الله عنه
كتاب مراقي الصالحين لفضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق