عار عليك يا "بل جيتس"!
أصبح كتاب "جون بروكس" الذي أشار إليه "جيتس" في مقالته، وعنوانه "مغامرات الأعمال" من أكثر الكتب مبيعًا في العالم، وحيث إن طبعات الكتاب المنشور في ستينيات القرن الماضي قد نفدت، فقد بدأت وكالات النشر تعيد إنتاجه، ليصدر في طبعة جديدة في سبتمبر القادم. وعندما حاولت شراء نسخة قديمة، وجدتها معروضة للبيع في سوق الكتب المستعملة بـ(2,412$). نعم .. ألفين وأربعمائة واثني عشر دولارًا.
يقول "جيتس" إنه قرأ الكتاب بناء على نصيحة أسداها له "وارين بافيت" ثالث أغنى رجل في العالم، وكان ذلك في عام 1991، حينما سأله عن أفضل كتاب قرأه في حياته. وأكد بأنه ما زال يحتفظ بتلك النسخة الأثيرة من الكتاب الكلاسيكي، وخلاصة أفكاره: "أن للإنسان دائمًا دورًا حيويًا وأساسيًا في نجاح أي مشروع، بغض النظر عن طبيعة منتجاته وعملياته واستراتيجياته. فمهما كانت خططك وابتكاراتك، فإنك ستحتاج دائمًا إلى القياديين والمديرين والموظفين المناسبين لوضع تلك الخطط موضع التنفيذ."
لكن الطامة الكبرى وقعت صباح هذا اليوم. جلست أتابع أخبار غزو "غزة" والطائرة الماليزية المنكوبة في أوكرانيا على أكثر من شبكة عالمية، وإذا بي أقرأ في أخبار الأعمال رسالة وجهها المدعو "ستيفن إلوب" رئيس وحدة الهواتف والأجهزة الذكية في شركة "ميكروسوفت" وهو رئيس "نوكيا" سابقًا، أعلن فيها عزم الشركة فصل 18,000 موظف من مختلف الأقسام والفروع هذا العام.
كتب "إلوب" رسالة مطولة وكأنه يكتب بيانًا لـ"بان كي مون" يشجب فيه الحرب على غزة، أو خطابًا لـ"باراك أوباما" يعلن فيه الحرب على روسيا، التي أسقطت صواريخها طائرة مدنية وقتلت 298 إنسانًا بريئًا. إلا أن "إلوب" قد أعلن الحرب على موظفيه؛ فقرر فصل أكثر من 10% من موظفي "ميكروسوفت" عبر رسالة بريد إلكتروني مرعبة، بدأها بكلمات تخلو من الأدب حيث قال: "إليكم هناك ...." ثم استطرد في شرح استراتيجية الشركة في تطوير هواتف "لوميا"، وكيف ستنافس في أسواق الهواتف الذكية، ولماذا عليها تغيير اتجاهاتها، مما يحتم إنهاء خدمات ما يقرب من عشرين ألف موظف، رغم أن الشركة ما زالت من أغنى الشركات العالمية، وما زال صاحبها يحتل المرتبة الأولى بين أثرياء العالم، ومؤسسته الخيرية هي الأكبر عالميًا أيضًا!
عندما أقول لـ"بل جيتس": "لا تنه عن خلق وتأتي مثله.. عار عليك إذا فعلت عظيم." فإنني أنطلق من اعتبارين اثنين:
أولاً: كان بإمكانه أن يوجه مثل هذه الرسالة بنفسه، حتى وإن كان قد ترك إدارة شركته منذ زمن طويل. أو على الأقل، يطلب من "ساتيا ناديلا" المدير التنفيذي الحالي لـ"ميكروسوفت" أن يكتب الرسالة ويخاطب موظفيه في هذا الظرف الإنساني العصيب. أما أن يعهد لأحد مديري الصف الثاني بكتابة هذه الرسالة الكارثية، فهذا عار سيسجله تاريخ إدارة الأعمال للسيد "جيتس" في صفحاته السوداء. ولو كان "جون بروكس" ما زال حيًا، لما نسي تضمين هذه القصة في كتابه المشار إليه، كواحدة من أسوأ المغامرات في تاريخ إدارة الأعمال.
ثانيًا: هل كان "جيتس" وهو ينشر مقاله عن كتاب "مغامرات الأعمال" قبل فصل الآلاف من موظفيه بأسبوع، يمهد لهذه الكارثة الإنسانية؟! لا أرى في هذا التزامن محض صدفة. فقد أكد في ذات المقال بأن أكثر ما يعجبه بصديقه "وارين بافيت" هو أن الأخير يختار لشركاته دائمًا أفضل المديرين، ثم يفسح لهم المجال، ويتركهم يعملون. وها هو "جيتس" نفسه، يختار "ستيفن إلوب" و"ساتيا ناديلا" ويتركهما يفصلان 18 ألف موظف بجرة قلم (إلكتروني مبرمج)؛ لا لشيء، إلا لزيادة أرباح "ميكروسوفت" وقدراتها التنافسية في أسواق الهواتف الذكية، ثم يأتي ويتحدث عن الجانب الإنساني في عالم الأعمال، وأهمية وضع الموظف المناسب في المكان المناسب، لتحقيق الهدف المناسب، وهو هنا لا يزيد عن تحقيق المزيد من الأرباح!
لقد أثبتت "ميكروسوفت" – وهي أكبر شركة برامج في العالم – أننا نعيش في عالم مبرمج؛ يتم فيه فصل آلاف الموظفين عبر رسالة "إيميل" مبرمجة، وتسقط فيه الطائرات المدنية بصواريخ (أرض – جو) مبرمجة، ويتم القفز بكتاب "كلاسيكي" من غياهب المجهول ليحتل الصدارة في مبيعات الكتب العالمية على المواقع الإلكترونية المبرمجة. فالقراءة مبرمجة، وكذلك هو الموت. والسعيد هو فقط من تخطئه آلة الانتقاء العشوائي حتى لا يموت بأوامر تصدرها نظم القتل الروسية والأمريكية المبرمجة. يا له من عالم؛ يقتل كما يعمل!
نسيم الصمادي
في غضون ثمانٍ وأربعين ساعة من قراءتي لمقال "بل جيتس" حول أعظم كتاب قرأه في إدارة الأعمال، تواترت جملة من الأحداث السريعة جعلتني أعيد النظر في تقييمي لهذا الرجل الذي ملأ الدنيا وشغل الناس. نُـشر المقال بداية في صحيفة "وول ستريت جورنال"، وأعيد نشره على موقع "لينكدإن"، فقرأه الملايين حول العالم، ثم توالت الأحداث.
أصبح كتاب "جون بروكس" الذي أشار إليه "جيتس" في مقالته، وعنوانه "مغامرات الأعمال" من أكثر الكتب مبيعًا في العالم، وحيث إن طبعات الكتاب المنشور في ستينيات القرن الماضي قد نفدت، فقد بدأت وكالات النشر تعيد إنتاجه، ليصدر في طبعة جديدة في سبتمبر القادم. وعندما حاولت شراء نسخة قديمة، وجدتها معروضة للبيع في سوق الكتب المستعملة بـ(2,412$). نعم .. ألفين وأربعمائة واثني عشر دولارًا.
يقول "جيتس" إنه قرأ الكتاب بناء على نصيحة أسداها له "وارين بافيت" ثالث أغنى رجل في العالم، وكان ذلك في عام 1991، حينما سأله عن أفضل كتاب قرأه في حياته. وأكد بأنه ما زال يحتفظ بتلك النسخة الأثيرة من الكتاب الكلاسيكي، وخلاصة أفكاره: "أن للإنسان دائمًا دورًا حيويًا وأساسيًا في نجاح أي مشروع، بغض النظر عن طبيعة منتجاته وعملياته واستراتيجياته. فمهما كانت خططك وابتكاراتك، فإنك ستحتاج دائمًا إلى القياديين والمديرين والموظفين المناسبين لوضع تلك الخطط موضع التنفيذ."
لكن الطامة الكبرى وقعت صباح هذا اليوم. جلست أتابع أخبار غزو "غزة" والطائرة الماليزية المنكوبة في أوكرانيا على أكثر من شبكة عالمية، وإذا بي أقرأ في أخبار الأعمال رسالة وجهها المدعو "ستيفن إلوب" رئيس وحدة الهواتف والأجهزة الذكية في شركة "ميكروسوفت" وهو رئيس "نوكيا" سابقًا، أعلن فيها عزم الشركة فصل 18,000 موظف من مختلف الأقسام والفروع هذا العام.
كتب "إلوب" رسالة مطولة وكأنه يكتب بيانًا لـ"بان كي مون" يشجب فيه الحرب على غزة، أو خطابًا لـ"باراك أوباما" يعلن فيه الحرب على روسيا، التي أسقطت صواريخها طائرة مدنية وقتلت 298 إنسانًا بريئًا. إلا أن "إلوب" قد أعلن الحرب على موظفيه؛ فقرر فصل أكثر من 10% من موظفي "ميكروسوفت" عبر رسالة بريد إلكتروني مرعبة، بدأها بكلمات تخلو من الأدب حيث قال: "إليكم هناك ...." ثم استطرد في شرح استراتيجية الشركة في تطوير هواتف "لوميا"، وكيف ستنافس في أسواق الهواتف الذكية، ولماذا عليها تغيير اتجاهاتها، مما يحتم إنهاء خدمات ما يقرب من عشرين ألف موظف، رغم أن الشركة ما زالت من أغنى الشركات العالمية، وما زال صاحبها يحتل المرتبة الأولى بين أثرياء العالم، ومؤسسته الخيرية هي الأكبر عالميًا أيضًا!
عندما أقول لـ"بل جيتس": "لا تنه عن خلق وتأتي مثله.. عار عليك إذا فعلت عظيم." فإنني أنطلق من اعتبارين اثنين:
أولاً: كان بإمكانه أن يوجه مثل هذه الرسالة بنفسه، حتى وإن كان قد ترك إدارة شركته منذ زمن طويل. أو على الأقل، يطلب من "ساتيا ناديلا" المدير التنفيذي الحالي لـ"ميكروسوفت" أن يكتب الرسالة ويخاطب موظفيه في هذا الظرف الإنساني العصيب. أما أن يعهد لأحد مديري الصف الثاني بكتابة هذه الرسالة الكارثية، فهذا عار سيسجله تاريخ إدارة الأعمال للسيد "جيتس" في صفحاته السوداء. ولو كان "جون بروكس" ما زال حيًا، لما نسي تضمين هذه القصة في كتابه المشار إليه، كواحدة من أسوأ المغامرات في تاريخ إدارة الأعمال.
ثانيًا: هل كان "جيتس" وهو ينشر مقاله عن كتاب "مغامرات الأعمال" قبل فصل الآلاف من موظفيه بأسبوع، يمهد لهذه الكارثة الإنسانية؟! لا أرى في هذا التزامن محض صدفة. فقد أكد في ذات المقال بأن أكثر ما يعجبه بصديقه "وارين بافيت" هو أن الأخير يختار لشركاته دائمًا أفضل المديرين، ثم يفسح لهم المجال، ويتركهم يعملون. وها هو "جيتس" نفسه، يختار "ستيفن إلوب" و"ساتيا ناديلا" ويتركهما يفصلان 18 ألف موظف بجرة قلم (إلكتروني مبرمج)؛ لا لشيء، إلا لزيادة أرباح "ميكروسوفت" وقدراتها التنافسية في أسواق الهواتف الذكية، ثم يأتي ويتحدث عن الجانب الإنساني في عالم الأعمال، وأهمية وضع الموظف المناسب في المكان المناسب، لتحقيق الهدف المناسب، وهو هنا لا يزيد عن تحقيق المزيد من الأرباح!
لقد أثبتت "ميكروسوفت" – وهي أكبر شركة برامج في العالم – أننا نعيش في عالم مبرمج؛ يتم فيه فصل آلاف الموظفين عبر رسالة "إيميل" مبرمجة، وتسقط فيه الطائرات المدنية بصواريخ (أرض – جو) مبرمجة، ويتم القفز بكتاب "كلاسيكي" من غياهب المجهول ليحتل الصدارة في مبيعات الكتب العالمية على المواقع الإلكترونية المبرمجة. فالقراءة مبرمجة، وكذلك هو الموت. والسعيد هو فقط من تخطئه آلة الانتقاء العشوائي حتى لا يموت بأوامر تصدرها نظم القتل الروسية والأمريكية المبرمجة. يا له من عالم؛ يقتل كما يعمل!
نسيم الصمادي
المصدر www.edara.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق