الأربعاء، 2 سبتمبر 2015

رفع سعر الفائدة والجلبة .. إطلاق النار على كفيف " مقال تفصيلي " للتوضيح وتقريب المشهد

مقال هام للقراءة

رفع أسعار الفائدة دائماً ما يكون أصعب من تخفيضها. عندما يكون المستثمرون في حالة معاناة من الضربات، والعاملون يخشون أن يتم تسريحهم، فإن وعود الأموال الرخيصة تبدو كأنها أصوات حوافر الخيل التي تشير إلى وصول الفرسان المنقذين. لكن الصدمة لا تنتهي بالنسبة للجميع في الوقت نفسه. عندما يُغادر المُنقذون، يشتكي بعضهم أنه تم التخلّي عنهم قبل الأوان.

نحن نُشفق على الاحتياطي الفيدرالي الذي من المتوقع على نطاق واسع أن يبدأ بزيادة أسعار الفائدة مع نهاية هذا العام - أو أنه كان من المتوقع أن يفعل ذلك، إلى أن بدأت موجة عنيفة من البيع في الأسواق الناشئة وانتشرت إلى البورصات في أنحاء العالم كافة. ستكون هناك دعوات للبنوك المركزية في الولايات المتحدة وبلدان أخرى لتأخير الزيادات التي يدور الحديث حولها منذ فترة طويلة. مع ذلك يجب ألا تتهيب المصارف من اتخاذ هذه الإجراءات.

الحجة الداعية إلى الانتظار لا ترتكز على تحرّكات السوق وحدها. هناك من يجادل بحجه تقول طالما لا توجد أية علامة على التضخم، فليست هناك حاجة إلى رفع أسعار الفائدة. ولأن الانتعاش دائماً ما كان يبدو هشاً، فليس هناك منطق في رفعها. الحجة الداعية إلى توخي الحذر كانت تتردد عندما كانت الأسواق ترتفع. وجاذبيتها لا مجال أمامها سوى أن تزداد قوة الآن كون الأسواق متعثّرة.

لكن لا يُمكن أن تقتصر السياسة النقدية على أن تكون مجرد رد فعل على أحدث بيانات التضخم، إذا أرادت تعزيز الأهداف الأوسع للاستقرار المالي والنمو الاقتصادي المُستدام. الاعتماد المُفرط على السياسة النقدية التيسيرية للغاية قد يكون أحد الأسباب التي جعلت العالم لم يتمكن من النجاة من براثن أزمة مالية مضى عليها أكثر من ثمانية أعوام.

أصول الذعر في الأسواق اليوم تتعلّق بخيارات السياسة الأخيرة. أحد العوامل وراء تراجع البورصة هو توقف النمو في الصين. البيانات الرسمية التي ترسم صورة مُطمئنة للنمو الثابت، تُعتبر على نطاق واسع مؤشرا لا يُمكن الاعتماد عليه. لكن حين ننظر إلى ما يحدث في الصناعات الفردية، نجد أن الصورة تُصبح أكثر إثارة للقلق. الاستهلاك الصيني للهواتف الذكية انكمش للمرة الأولى في الربع الثاني من هذا العام، بحسب بيانات من شركة جارتنر. وتوقّعات المبيعات لكثير من شركات التكنولوجيا الغربية حذت حذوها.

وتعود جذور التباطؤ في الاقتصاد الصيني إلى قرارات تم اتخاذها بعيداً عن بكين. في الأعوام الخمسة الأخيرة شرعت البنوك المركزية في الاقتصادات المُتقدّمة الكبيرة في برامج التسهيل الكمي الضخمة، من خلال شراء الأصول المالية بنقود تمت طباعتها حديثاً. وبسبب تأثيرها على أسعار صرف العملات، هذه السياسات تملك خاصية "إفقار الجار". لقد تم خلط النمو في مكان بعد آخر - أولاً الولايات المتحدة، ثم أوروبا واليابان - مع مكاسب إحدى البلدان التي تتحقّق على حساب بلدان أخرى. هذه اللعبة التي مُحصلتها صفر لا يُمكن أن تطلق انتعاشا عالميا دائما. والصين هي الخاسر الأحدث. تخفيض قيمة الرنمينبي أخيرا سلط الضوء على حقيقة أنه منذ عام 2010 واقتصاد الصين القائم على الصادرات يعاني ارتفاع سعر الصرف الحقيقي الخاص به بنسبة 25 في المائة.

لكن إذا صرفنا النظر عن سعر صرف العملات، الفترات الطويلة من السياسة النقدية التيسيرية أدت إلى سوء تخصيص الموارد. سيكون من المستحيل قياس مدى هذا لعدة أعوام، لكن في الأماكن حيث نمو الائتمان كان عجيبا تماما، هناك تلميحات قوية.

السياسة النقدية المتساهلة كان من المفترض أن تحفز الاستثمار في الأنشطة الإنتاجية في الداخل. لكن بدلاً من ذلك اتجهت الشركات والمصارف إلى تخزين النقود. وكثير من الرصيد الإضافي توجه إلى تمويل عمليات شراء المنازل في الداخل، أو تم توجيهه إلى القروض من أجل الشركات والحكومات في الأسواق الناشئة. ووفقاً للبنك الدولي، الشركات والحكومات السيادية في الاقتصادات الناشئة باعت بشكل جماعي سندات جديدة بقيمة 1.5 تريليون دولار في الأعوام الخمسة المنتهية عام 2014 ـ تقريباً ثلاثة أضعاف المعدل بين عامي 2002 و2007. وعلى الرغم من أن الاهتمام اليوم ينصبّ على ضعف البورصات في أمريكا وأوروبا واليابان، إلا أن الاضطرابات في أسواق السندات البعيدة، حيث المستثمرين من البلدان المُتقدّمة وضعوا نقودهم، ستكون مصدر قلق أكثر استدامة.

هناك نوعان من الجوانب المُشرقة في السحب الداكنة. أولاً، بسبب التدفق ذي التركيز العالي في حركات الائتمان الدولية، فإن الأزمة اليوم قد تُشبه الأزمة المالية الآسيوية لعام 1997. لقد كانت وحشية ومُعدية، لكن قد تم احتواؤها إقليمياً، مقارنة بالأزمة العالمية الشاملة التي بدأت في 2007. ثانياً، على الرغم من كثير من الاحتجاجات، قرّرت الأسواق الناشئة منذ فترة طويلة أن النظام المالي العالمي غير مُستقر بطبيعته وبنت الاحتياطات لمساعدتها على الصمود في وجه العاصفة.

لكن ذلك النظام الهش والمُختلّ وظيفياً هو مشكلة خطيرة. وسيبقى كذلك طالما المؤسسات التي من المفترض أن تتعامل من الآثار غير المباشرة الدولية من السياسة النقدية تفتقر إلى الشرعية والصدقية ورأس المال. وإذا استمرت الاقتصادات المُتقدّمة في الاعتماد على أسعار الفائدة القريبة من الصفر لتغذية النمو، فلن تعمل سوى على جعل ذلك المأزق أسوأ ...!

أفيناش بيرسود " نيويورك "
نقلا عن صحيفة الإقتصادية


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق