بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله تعالى، نَحمده ونَستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يَهد الله فلا مُضِل له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحْده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].
أمَّا بعدُ:
فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وشَر الأمور مُحْدثاتها، وكل مُحدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أولاً: الأخطاء الخاصة بصلاة الوتر:
1 - الاعتقاد بأن صلاة الوتر واجبة:
وهذا القول مرجوح انفرَد به أبو حنيفة، وخالَف فيه جمهور أهل العلم، واستدلَّ أبو حنيفة على قوله بأحاديثَ ضعيفة لا تَثبت، أو أحاديث ظاهرها الوجوب، ولكنَّها مصروفة إلى الندب، والراجح هو قول الجمهور؛ حيث قالوا: إن صلاة الوتر سُنة مؤكدة، ومما يدلُّ على هذا:
1- ما أخرَجه البخاري ومسلم عن طلحة بن عبيدالله - رضي الله عنه - "في قصة الرجل الذي جاء يسأل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكان من جُملة ما سأله عن الصلاة، فقال له النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خَمس صلوات في اليوم والليلة))، فقال: هل عليّ غيرها؟ فقال: ((لا، إلا أن تطوَّعَ))، فقال الرجل: والله لا أزيدُ على هذا ولا أنقص، فقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أفلحَ إن صدَق)).
ففي هذا الحديث وحْده أربعة أدلة على أنَّ الوتر ليس بواجب فتأمَّله.
2- وأخرَج البخاري ومسلم عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لَمَّا بعَث معاذًا إلى اليمن، قال: ((إنَّك تقدم على قوم أهل كتاب، فليَكُن أوَّل ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرَفوا الله فأخبرهم أنَّ الله فرَض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم))؛ الحديث.
2- ترك صلاة الوتر عمدًا:
قد يَفهم البعض مما سبَق أن صلاة الوتر ليستْ ذات أهميَّة؛ لذا تجده يَزهد فيها ولا يُصلِّيها، وهذا أيضًا خطأ كبير، وكان السلف يشدِّدون على مَن يترك صلاة الوتر؛ حتى قال الإمام أحمد رحمه الله: "مَن ترك الوتر عمدًا، فهو رجل سوء، ولا ينبغي أن تُقبل له شهادة"؛ المغنى، (2/ 161).
3 - خطأ في قضاء الوتر:
فمن الناس من إذا فاتَه صلاة الوتر بالليل، وأصبَح عليه الصباح، قام فصلَّى صلاة الوتر واحدة، وهذا خطأ، والصواب: أن يُصلِّيها ركعتين إذا كانت عادته الإيتار بواحدة؛ عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا نام من الليل أو مرِض، صلَّى من النهار ثِنْتي عشرة ركعة".
وقد عُلِم أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، فعُلِم أنَّ قضاء الوتر بالنهار يكون شفعًا، فمن كانت عادته الإيتار بواحدة، قضَى من النهار ركعتين، ومن كانت عادته الإيتار بثلاث، قضاها أربعًا، وهكذا"؛ صحيح فقه السنة، (1/ 394).
4 - تأخير قضاء صلاة الوتر:
ومنهم من إذا فاتَتْه صلاة الوتر بالليل، فإنه إذا أصبَح لا يتعجَّل قضاء تلك الصلاة قبل الظهر، بل يُصلِّيها بعد الظهر، وهذا خطأ؛ لأنه يستحبُّ له المبادرة بقضاء صلاة الوتر قبل الظهر؛ حتى يُكتب له أجْرُ صلاته بالليل؛ فعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من نام عن حِزْبه أو عن شيءٍ منه، فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كُتِب له كأنما قرَأه من الليل))؛ مسلم.
والظاهر أنه تحريض على المبادرة، ويحتمل أنَّ فضْلَ الأداء مع المضاعفة مشروط بخصوص الوقت؛ حاشية السيوطي على النسائي، (3/ 259).
5 - قضاء الوتر لِمَن ترَكه متعمدًا:
ذهب فريقٌ من أهل العلم إلى أنه لا يجوز قضاء الوتر، واستدلوا بما يلي:
1- ما أخرَجه أبو داود والنسائي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "مَن صلَّى من الليل، فليجعل آخر صلاته وترًا؛ فإن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يأمر بذلك، فإذا كان الفجر، فقد ذهَب كلُّ صلاة الليل والوتر".
2- واستدلوا كذلك بما أخرَجه ابن خُزيمة عن أبي سعيد - رضي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن أدرَكه الصُّبح ولَم يُوتر، فلا وِتْر له))، لكن قال الحافظ في هذا الحديث: وهذا محمول على التعمُّد، أو على أنه لا يقع أداء.
3- واستدلوا كذلك بقول محمد بن نصر: "لَم نجد عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في شيء من الأخبار أنه قضى الوتر، ولا أمَر بقضائه"؛ ا.هـ.
لكن ثبَت قضاء الوتر عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ففي صحيح مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - أنه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "كان إذا نام من الليل من وَجَعٍ أو غيره، فلم يَقُم من الليل، صلَّى من النهار ثِنْتي عشرة ركعة"؛ قال الشوكاني في "نيل الأوطار" (3/ 318): "والحديث يدلُّ على مشروعيَّة قضاء الوتر إذا فات"؛ ا.هـ.
ثم ذكَر الشوكاني - رحمه الله - مَن ذهَب إلى ذلك من الصحابة والتابعين، وكذلك من الأئمة، ومنهم الأئمة الأربعة.
وفي سنن الترمذي وأبي داود وابن ماجه عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن نام عن الوتر أو نَسِيه، فليُصَلِّ إذا أصبَح أو ذكَره)).
فالحاصل:
أنه مَن تعمَّد تَرْك صلاة الوتر حتى دخل وقت الفجر، فلا يُشرع له قضاؤه أبدًا، أمَّا مَن ترَكه عن نسيان أو لمرضٍ أو نومٍ، فيجوز قضاؤه.
6- الاعتقاد بأن الوتر لا يكون إلا في آخر الليل:
والصواب: أنه يجوز أن نصلي صلاة الوتر في أيِّ ساعة من ساعات الليل، من بعد صلاة العشاء وحتى صلاة الفجر؛ وذلك لِما ثبَت في الحديث أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إنَّ الله قد أمدَّكم بصلاة هي خير لكم من حُمْر النَّعم، وهى الوتر، فصلُّوها فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر))؛ أبو داود والترمذي؛ قال الألباني - رحمه الله - في "الإرواء" (423):
"صحيح دون قوله: ((هي خير لكم من حُمْر النَّعم)).
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "من كل الليل قد أوْتَر رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - من أوَّل الليل وأوْسطه وآخره، فانتهى وتره إلى السَّحر"؛ البخاري ومسلم.
لكن الأفضل أن يؤخَّر الوتر لآخر الليل - أي: في الثُّلُث الأخير منه - وذلك لحديث عائشة السابق، وأيضًا ثبَت في صحيح مسلم عن جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((أيُّكم خاف ألاَّ يقوم من آخر الليل، فليُوتر ثم ليَرقُد، ومَن وثَق بقيامٍ من آخر الليل، فليُوتر من آخره، فإن قراءة آخر الليل محضورة، وذلك أفضلُ)).
الأخطاء الخاصة بصلاة الوتر ودعاء القنوت فيها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق